تعقيب على مقطع يوسف الغفيص في أبي إسماعيل الأنصاري ...



الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
أما بعد :

فقد أرسل إلي أحد الأخوة مقطعاً للدكتور يوسف الغفيص يذم فيه أبا إسماعيل الهروي لموقفه من الأشعري وينسب ذلك لابن تيمية ونسب لابن تيمية أنه قال عن ابن كلاب ( إمام له علم وفقه ودين )


ولنبدأ من هذه النقطة لوضوحها


فيقال : أن هذا النقل الذي ادعاه الغفيص على ابن تيمية أنه قاله في ابن كلاب لا وجود له في كلام ابن تيمية أصلاً وهو غير مطابق للواقع فابن كلاب متكلم ولا دخل له بالفقه وإنما قال في شرح حديث النزول وهو يحكي حال ابن كلاب ويقارنه بالمعتزلة :" وَكَانَ مِمَّنْ اُنْتُدِبَ لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدِ بْنِ كُلَّابٍ وَكَانَ لَهُ فَضْلٌ وَعِلْمٌ وَدِينٌ" وذكر رده عليهم في مسألة العلو وغيرها ثم ذكر موافقته لهم على أصل نفي قيام الحوادث في الله عز وجل وما أوقعه فيه من مشاكل وبدع وضلالات


قال ابن تيمية في بيان التلبيس :" ولهذا كان كلام الجهم كله منكراً باتفاق السلف والأئمة إذ ما لم يبتدعه الجهم لايضيفه السلف إلى الجهمية وأما الكرامية والكلابية والأشعرية فهؤلاء هم المتبعون لأئمتهم فيما رتَّبوه من المذاهب وفي مذاهبهم ما هو صواب وخطأ لكن لهؤلاء مقالات ابتدعوها لم يُسبقوا إليها فتلك المذاهب تضاف إلى صاحبها وتذم مطلقاً كما يذم ما ابتدعه ابن كرام من جعل الإيمان هو مجرد قول اللسان بدون تصديق القلب ويذم ما ابتدعه ابن كلاب والأشعري من الكلام في الصفات والكلام الذي وافق أهل السنة من وجوه كثيرة ووافق فيه الجهمية من وجوه أخرى "


وقال في الدرء :" إما من أهل السنة والحديث وإما من غيرهم، بخلاف ما قاله ابن كلاب في مسألة الكلام، وأتبعه عليه الأشعري، فإنه لم يسبق ابن كلاب إلى ذلك حد، ولا وافقه عليه من رؤوس الطوائف، وأصله في ذلك مسألة الصفات الاختيارية، ونحوها من الأمور المتعلقة بمشيئته وقدرته تعالى: هل تقوم بذاته أم لا؟ فكان السلف والأئمة يثبتون ما يقوم بذاته من الصفات والأفعال مطلقاً، والجهمية من المعتزلة وغيرهم ينكرون ذلك مطلقاً، فوافق ابن كلاب السلف والأئمة في إثبات الصفات، ووافق الجهمية في نفي قيام الأفعال به تعالى وما يتعلق بمشيئته وقدرته.
ولهذا وغيره تكلم الناس فيمن اتبعه كـ القلانسي والأشعري ونحوهما، بأن في أقوالهم بقايا من الاعتزال، وهذه البقايا أصلها هو الاستدلال على حدوث العالم بطريقة الحركات، فإن هذا الأصل هو الذي أوقع المعتزلة في نفي الصفات والأفعال.
وقد ذكر الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر بباب الأبواب أنه طريق مبتدع في دين الرسل، محرم عندهم، وكذلك غير الأشعري، كـ الخطابي وأمثاله، يذكرون ذلك، لكن مع هذا من وافق ابن كلاب لا يرى بطلان هذه الطريقة عقلاً، وإن لم يقل: إن الدين محتاج إليها، فلما رأى من رأى صحتها لزمه: إما قول ابن كلاب، أو ما يضاهيه"


وقال أيضاً وهو يتحدث عن الكلابية في الدرء :" وأنكر الناس عليهم أموراً: إثبات معنى واحد، هو الأمر والخبر، وجعل القرآن العربي ليس من كلام الله الذي تكلم به، وأن الكلام المنزل ليس هو كلام الله، وأن التوراة والإنجيل والقرآن إنما تختلف عباراتها، فإذا عبر عن التوراة بالعربية كان هو القرآن، وأن الله لا يقدر أن يتكلم، ولا يتكلم بمشيئته واختياره، وتكليمه لمن كلمه من خلقه، كموسى وآدم، ليس إلا خلق إدراك ذلك المعنى لهم، فالتكليم هو خلق الإدراك فقط.
ثم منهم من يقول: السمع يتعلق بذلك المعنى وبكل موجود، فكل موجود يمكن أن يرى ويسمع، كما يقوله أبو الحسن ونحوه.
ومنهم من يقول: إنه يسمع ذلك المعنى من القارىء مع صوته المسموع منه كما يقول ذلك طائفة أخرى.
وجمهور العقلاء يقولون: إن هذه الأقوال معلومة الفساد
بالضرورة، وإنما ألجأ إليها القائلين بها ما تقدم من الأصول التي استلزمت هذه المحاذير، وإذا انتفى اللازم انتفى الملزوم.
وكذلك من قال: (لا يتكلم إلا بأصوات قديمة أزلية ليست متعاقبة، وهو لا يقدر على التكلم بها، ولا له في ذلك مشيئة ولا فعل) من أهل الحديث والفقهاء والكلام المنتسبين إلى السنة، فجمهور العقلاء يقولون: إن قول هؤلاء أيضاً معلوم الفساد بالضرورة، وإنما ألجأهم إلى ذلك اعتقادهم أن الكلام لا يتعلق بمشيئة المتكلم وقدرته، مع علمهم بأن الكلام يتضمن حروفاً منظومة وصوتاً مسموعاً من المتكلم.
وأما من قال: (إن الصوت المسموع من القارىء قديم) أو: (يسمع منه صوت قديم ومحدث) فهذا أظهر فساداً من أن يحتاج إلى الكلام عليه.
وكلام السلف والأئمة والعلماء في هذا الأصل كثير منتشر، ليس هذا موضع استقصائه"


قال ابن تيمية في الدرء :"
وهؤلاء خالفوه وخالفوا أئمة الصحابة في هذا وهذا، فلم يستدلوا بالسمع في إثبات الصفات، وعارضوا مدلوله بما ادعوا من العقليات.
والذي كان أئمة السنة ينكرونه على ابن كلاب الأشعري بقايا من التجهم والاعتزال، مثل اعتقاد صحة طريقة الأعراض وتركيب الجسام وإنكار اتصاف الله بالأفعال القائمة التي يشاؤها ويختارها، وأمثال ذلك من المسائل التي أشكلت على من كان أعلم من الأشعري بالسنة والحديث وأقوال السلف والأئمة، كالحارث المحاسبي، وأبي علي الثقفي، وأبي بكر بن إسحاق الصبغي، مع أنه قد قيل: إن الحارث رجع عن ذلك، وذكر عن غير واحد ما يقتضي الرجوع عن ذلك، وكذلك الصبغي والثقفي قد روي أنهما استتيبا فتابا"


وقال أيضاً :" ولهذا كان الأشعري وأئمة الصحابة من المثبتين لعلو الله بذاته على العالم، كما كان ذلك مذهب ابن كلاب، والحارث المحاسبي وأبي العباس القلانسي، وأبي بكر الصبغي، وأبي علي الثقفي وأمثالهم.
لكن للبقايا التي بقيت على ابن كلاب وأتباعه من بقايا التهجم والاعتزال، كطريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام، احتاج من سلك طريقهم إلى طرد تلك الأقوال، فاحتاج أن يلتزم قول الجهمية والمعتزلة في نفي الصفات الخبرية، ويقدم عقله على النصوص الإلهية، ويخالف سلفه والأئمة الأشعرية، وصار ما مدح به الأشعري وأئمة الصحابة من السنة والمتابعة النبوية عنده من أقوال المجسمة الحشوية، كما أن المعتزلة لما نصروا الإسلام في مواطن كثيرة، وردوا على الكفار بحجج عقلية، لم يكن أصل دينهم تكذيب الرسول، ورد أخباره ونصوصه، لكن احتجوا بحجج عقلية: إما ابتدعوها من تلقاء أنفسهم وإما تلقوها عمن احتج بها من غير أهل الإسلام، فاحتجوا أن يطردوا أصول أقوالهم التي احتجوا بها وتسلم عن النقص والفساد، فوقعوا في أنواع من رد المعاني الأخبار الإلهية، وتكذيب الأحاديث النبوية.
وأصل ما أوقعهم في نفي الصفات والكلام والأفعال، والقول بخلق القرآن، وإنكار الرؤية، والعلو لله على خلقه - هي طريقة حدوث الأعراض وتركيب الأجسام"


بل ابن تيمية في الاستقامة ذكر لعن أبي عبد الرحمن السلمي للكلابية وبرره


قال ابن تيمية في الاستقامة :" وَمَعَ هَذَا فالشيخ أَبُو عبد الرَّحْمَن وَشَيخ الْإِسْلَام كِلَاهُمَا لَهُ مُصَنف مَشْهُور فِي ذمّ طَريقَة الْكَلَام الَّتِي يدْخل فِيهَا كثير مِمَّا ذكره أَبُو الْقَاسِم من الدَّلَائِل والمسائل
حَتَّى ذكر شيخ الْإِسْلَام فِي كِتَابه قَالَ سَمِعت أَحْمد بن أبي نصر يَقُول رَأينَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن السّلمِيّ يلعن الْكلابِيَّة
وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن السّلمِيّ هُوَ الشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن أعرف مَشَايِخ أبي الْقَاسِم الْقشيرِي بطريقة الصُّوفِيَّة وَكَلَامهم وَمَعْلُوم أَن الْقَوْم من أبعد النَّاس عَن اللَّعْن وَنَحْوه لحظوظ أنفسهم وَلَوْلَا أَن ابا عبد الرَّحْمَن كَانَ الَّذِي عِنْده أَن الْكلابِيَّة مباينون لمَذْهَب الصُّوفِيَّة المباينة الْعَظِيمَة الَّتِي توجب مثل هَذَا لما لعنهم أَبُو عبد الرَّحْمَن هَذَا
والكلابية هم مَشَايِخ الأشعرية"


وقال أيضاً :" وَالْمَقْصُود هُنَا أَن الْمَشَايِخ المعروفين الَّذين جمع الشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن أَسْمَاءَهُم فِي كتاب طَبَقَات الصُّوفِيَّة وَجمع أخبارهم وأقوالهم دع من قبلهم من أَئِمَّة الزهاد من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ الَّذين جمع ابو عبد الرَّحْمَن وَغَيره كَلَامهم فِي كتب مَعْرُوفَة وهم الَّذين يتَضَمَّن أخبارهم كتاب الزّهْد للْإِمَام أَحْمد وَغَيره لم يَكُونُوا مَذْهَب الْكلابِيَّة الأشعرية إِذْ لَو كَانَت كَذَلِك لما كَانَ أَبُو عبد الرَّحْمَن يلعن الْكلابِيَّة
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام الْأنْصَارِيّ سَمِعت أَحْمد بن حَمْزَة وَأَبا عَليّ الْحداد يَقُولَانِ وجدنَا أَبَا الْعَبَّاس أَحْمد بن مُحَمَّد النهاوندي على الانكار على أهل الْكَلَام وتكفير الاشعرية وذكرا عظم شَأْنه فِي الْإِنْكَار على ابي الفوارس القرمسيني وهجر ابْنه إِيَّاه لحرف وَاحِد قَالَ شيخ الْإِسْلَام سَمِعت أَحْمد بن حَمْزَة يَقُول لما اشْتَدَّ الهجران بَين النهاوندي وَأبي الفوارس سَأَلُوا ابا عبد الله الدينَوَرِي فَقَالَ لقِيت ألف شيخ على مَا عَلَيْهِ النهاوندي وَقد ذكر الشَّيْخ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى فِي كِتَابه فِي ذمّ الْكَلَام مَا ذكر أَيْضا شيخ الْإِسْلَام أَبُو اسماعيل الْأنْصَارِيّ فَقَالَ أَخْبرنِي ابْن أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن فَقَالَ رَأَيْت بِخَط أبي عَمْرو بن مطر يَقُول سُئِلَ ابْن خُزَيْمَة عَن الْكَلَام فِي الْأَسْمَاء وَالصِّفَات فَقَالَ بِدعَة ابتدعوها وَلم يكن أَئِمَّة الْمُسلمين وأرباب الْمذَاهب وأئمة الدّين مثل مَالك وسُفْيَان وَالْأَوْزَاعِي ّ وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَيحيى بن يحيى وَابْن الْمُبَارك وَمُحَمّد بن يحيى وَأبي حنيفَة وَمُحَمّد بن الْحسن وَأبي يُوسُف يَتَكَلَّمُونَ فِي ذَلِك وَينْهَوْنَ عَن الْخَوْض فِيهِ ويدلون أَصْحَابهم على الْكتاب وَالسّنة فإياك والخوض فِيهِ وَالنَّظَر فِي كتبهمْ بِحَال
وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَهُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى سَمِعت أَحْمد بن سعيد المعداني بمرو سَمِعت أَبَا بكر بن بسطَام سَأَلت أَبَا بكر بن سيار عَن الْخَوْض فِي الْكَلَام فنهاني عَنهُ أَشد النَّهْي وَقَالَ عَلَيْك بِالْكتاب وَالسّنة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ الصَّدْر الأول من الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ وتابعي التَّابِعين فَإِنِّي رَأَيْت الْمُسلمين فِي أقطار الأَرْض ينهون عَن ذَلِك وينكرونه ويأمرون بِالْكتاب وَالسّنة
قَالَ شيخ الْإِسْلَام أَبُو اسماعيل الْأنْصَارِيّ أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن الْعَبَّاس بن إِسْمَاعِيل المقرى اُخْبُرْنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن البيع وَهُوَ الْحَافِظ الْحَاكِم سَمِعت أَبَا سعيد عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد المقرىء سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن اسحاق بن خُزَيْمَة يَقُول من نظر فِي كتبي المصنفة فِي الْعلم ظهر لَهُ وَبَان بِأَن الْكلابِيَّة لعنهم الله كذبة فِيمَا يحكون عني مِمَّا هُوَ خلاف أصلى وديانتي قد عرف أهل الشرق والغرب انه لم يصنف أحد فِي التَّوْحِيد وَفِي أصُول الْعلم مثل تصنيفي فالحاكي عني خلاف مَا فِي كتبي المصنفة الَّتِي حملت إِلَى الْآفَاق شرقا وغربا كذبة فسقة
وَقَالَ شيخ الْإِسْلَام وَأَخْبرنِي أَحْمد بن حَمْزَة حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَهُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن السلمى يَقُول بَلغنِي أَن بعض أَصْحَاب أبي عَليّ الجوزاني سَأَلَهُ كَيفَ الطَّرِيق إِلَى الله قَالَ أصح الطّرق وأعمرها وأبعدها من الشّبَه اتِّبَاع الْكتاب وَالسّنة قولا وفعلا وعقدا وَنِيَّة لِأَن الله يَقُول وتطيعوه تهتدوا [سُورَة النُّور 54] فَسَأَلَهُ كَيفَ طَرِيق اتِّبَاع السّنة قَالَ بمجانبة الْبدع وَاتِّبَاع مَا اجْتمع عَلَيْهِ الصَّدْر الأول من عُلَمَاء الْإِسْلَام وَأَهله والتباعد عَن مجَالِس الْكَلَام واهله وَلُزُوم طَريقَة الِاقْتِدَاء والاتباع بذلك أَمر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله تَعَالَى ثمَّ أَوْحَينَا إِلَيْك أَن اتبع مِلَّة ابراهيم حَنِيفا [سُورَة النَّحْل 123] قَالَ شيخ الْإِسْلَام أَخْبرنِي طب بن أَحْمد حَدثنَا مُحَمَّد بن الْحُسَيْن وَهُوَ أَبُو عبد الرَّحْمَن سَمِعت أَبَا بكر مُحَمَّد بن عبد الله بن شَاذان الرَّازِيّ سَمِعت أَبَا جَعْفَر الفرغاني سَمِعت الْجُنَيْد بن مُحَمَّد يَقُول أقل مَا فِي الْكَلَام سُقُوط هَيْبَة الرب من الْقلب وَالْقلب إِذا عرى من الهيبة من الله عرى من الْإِيمَان"


وهذا الكلام كله ذكره ابن تيمية محتجاً على القشيري لأنه نسب متقدمي الصوفية للتجهم ومقالة ابن كلاب فلولا أن ابن تيمية يصدق هذه النقول ما ذكرها وفي خضمها كلام لمن يكفر الأشاعرة كما رأيت


وقال ابن تيمية في رسالة الحسنة والسيئة :" وأما الكلابية: فيثبتون الصفات في الجملة، وكذلك الأشعريون، ولكنهم كما قال الشيخ أبو إسماعيل الأنصارى: الجهمية الإناث، وهم مخانيث المعتزلة.
ومن الناس من يقول: المعتزلة مخانيث الفلاسفة"


فهنا الشيخ ينقل كلام الهروي في ذمهم ويقره وأنهم جهمية


وابن تيمية نقل ذم الهروي لهم مقراً في بيان التلبيس وفي الدرء


والأشعري شر من ابن كلاب لأن الأشعري على مذهب الجهم في الإيمان والغفيص يصف الأشعري بالابتداع معتمداً على ما يذكره ابن تيمية أنه بقي على قول الجهم في الإيمان


وقول الجهم كفري عند السلف ومدح الشيخ له دائماً يكون مقارنة بكلام أصحابه المتأخرين


وقد غضب الغفيص على الهروي من أجل قوله في ذم الكلام :" وقد شاع في المسلمين أن رأسهم علي بن إسماعيل الأشعري كان لا يستنجي ولا يتوضأ ولا يصلي وقد سمعت محمداً العمري النسابة أبا المعالي يقول سمعت أبا الفضل الحارثي القاضي بسرخس يقول سمعت زاهراً بن أحمد يقول أشهد لما مات أبو الحسن الأشعري متحيراً بسبب مسألة تكافؤ الأدلة فلا جزى الله امرءاً أناط مخاريقه بمذهب الإمام المطلبي رحمه الله تعالى"


وهذه الكلمة نقلها ابن تيمية نفسه في بيان التلبيس !


يقول شيخ الإسلام مبيناً اضطراب الأشاعرة وعلى رأسهم الأشعري: "وقد قيل: إن الأشعري - مع أنه من أقربهم إلى السنة والحديث وأعلمهم بذلك - صنف في آخر عمره كتاباً في تكافؤ الأدلة، يعني أدلة علم الكلام فإن ذلك هو صناعته التي يحسن الكلام فيها، وما زال أئمتهم يخبرون بعدم الأدلة والهدى في طريهم، كما ذكرناه عن أبي حامد وغيره حتى قال أبو حامد الغزالي: أكثر الناس شكاً عند الموت أهل الكلام"، وهذا أبو عبد الله الرازي من أعظم الناس في هذا الباب - باب الحيرة والشك والاضطراب - لكن هو مسرف في هذا الباب له تهمة في التشكيك دون التحقيق، بخلاف غيره فإنه يحقق شيئاً ويثبت على نوع من الحق.."


فابن تيمية نفسه أشار إلى حيرة الأشعري


وقال في الدرء :" وهذا ما ذكره أبو نصر السجزي في الإبانة قال: حكى محمد بن عبد الله المغربي المالكي، وكان فقيهاً صالحاً، عن الشيخ أبي سعيد البرقي وهو من شيوخ فقهاء المالكيين ببرقة، عن أستاذ خلف المعلم، كان من فقهاء المالكيين، قال: أقام الأشعري أربعين سنة على الاعتزال، ثم أظهر التوبة فرجع عن الفروع وثبت على الأصول) .
قال أبو نصر: (وهذا كلام خبير بمذهب الأشعري وغوره)
قلت: ليس مراده بالأصول ما أظهروه من مخالفة السنة، فإن الأشعري مخالف لهم فيما أظهروه من مخالفة السنة، كمسألة الرؤية والقرآن والصفات.
ولكن أصولهم الكلامية العقلية التي بنوا عليها الفروع المخالفة للسنة، مثل هذا الأصل الذي بنوا عليه حدوث العالم وإثبات الصانع، فإن هذا أصل أصولهم، كما قد بينا كلام أبي الحسين البصيري وغيره في ذلك، وأن الأصل الذي بنت عليه المعتزلة كلامهم في أصول الدين، هو هذا الأصل الذي ذكره الأشعري، لكنه مخالف لهم في كثير من لوازم ذلك وفروعه، وجاء كثير من أتباع المتأخرين، كأتباع صاحب الإرشاد فأعطوا الأصول - التي سلمها للمعتزلة - حقها من اللوازم، فوافقوا المعتزلة على موجبها، وخالفوا شيخهم أبا الحسن وأئمة أصحابه، فنفوا الصفات الخبرية، ونفوا العلو، وفسروا الرؤية بمزيد علم لا ينازعهم فيه المعتزلة، وقالوا: ليس بيننا وبين المعتزلة خلاف في المعنى، وإنما خلافهم مع المجسمة، وكذلك قالوا في القرآن: إن القرآن، الذي قالت به المعتزلة: إنه مخلوق، نحن نوافقهم على خلقه، ولكن ندعي ثبوت معنى آخر وأنه واحد قديم"


ثم عن الهروي ولو خالفناه في مسائل القدر هو صادق وهو حافظ معروف فحين يروي أمراً عن الأشعري بسنده ويصححه لا يجوز رميه بالغلو دون بينة بل هو أولى بالعذر من الأشعري


قال ابن تيمية :" وشاع هذا القول في كثير من الصوفية ومشايخ المعرفة والحقيقة، فصاروا يوافقون جهماً في مسائل الأفعال والقدر، وإن كانوا مكفرين له في مسائل الصفات، كأبي إسماعيل الأنصاري الهروي، صاحب كتاب " ذم الكلام "، فإنه من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات. وله كتاب " تكفير الجهمية " ويبالغ في ذم الأشعرية، مع أنهم من أقرب هذه الطوائف إلى السنة والحديث، وربما كان يلعنهم. وقد قال له بعض الناس بحضرة نظام الملك: أتلعن الأشعرية؟ فقال: ألعن من يقول: ليس في السموات إله، ولا في المصحف قرآن، ولا في القبر نبي، وقام من عنده مغضباً. ومع هذا، فهو في مسألة إرادة الكائنات، وخلق الأفعال، أبلغ من الأشعرية. لا يثبت سبباً ولا حكمة، بل يقول: إن مشاهدة العارف الحكم لا تبقى له استحسان حسنة، ولا استقباح سيئة"


وهذا النص دائماً يعتمدون عليه ويدعون أن ابن تيمية أنكر على الهروي موقفه من الأشعرية !


لاحظ قوله ( من المبالغين في ذم الجهمية لنفيهم الصفات ) (


هل ذم الجهمية لنفيهم الصفات يعد غلواَ عند ابن تيمية ؟


وهو القائل أن السلف تكلموا في تكفيرهم ما لم يتكلموا في تكفير غيرهم وكان ينقل كلام من أخرجهم الثنتين والسبعين فرقة مقراً ، بل هو قال أن السلف ذموهم بأكثر مما ذموا به الرافضة والخوارج والقدرية


فقوله ( من المبالغين ) ليس بابه الذم وإنما حكاية الحال لو كان يعقلون من باب أبلغ يعني اشتد


قال ابن تيمية في الدرء :" قال: (وبالغ فيه حتى هجر الحارث المحاسبي مع زهده وورعه بسبب تصنيفه كتاباً في الرد على المبتدعة، وقال: ويحك ألست تحكي بدعتهم أولاً ثم ترد عليهم؟ ألست تحمل الناس بتصنيفك على مطالعة البدعة، والتفكر في تلك الشبهات، فيدعوهم ذلك إلى الرأي والبحث) . تعليق ابن تيمية قلت: هجران أحمد للحارث لم يكن لهذا السبب الذي ذكره أبو حامد، وإنما هجره لأنه كان على قول ابن كلاب، الذي وافق المعتزلة" فهل ابن حامد يذم أحمد حين قال بالغ


وقال أيضاً :" وَهَذِهِ الشُّرُوطُ مَا زَالَ يُجَدِّدُهَا عَلَيْهِمْ مَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ وُلَاةِ أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ كَمَا جَدَّدَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي خِلَافَتِهِ وَبَالَغَ فِي اتِّبَاعِ سُنَّةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ "


فهل هذا ذم لعمر بن عبد العزيز


وفي النهاية أقول ما قاله الهروي تابعه عليه ابن قدامة وأما تكفير الأشعرية فهو كثير في كلام أهل الحديث


قال اللالكائي في السنة (2/43) : "سياق ما دل من الآيات من كتاب الله تعالى وما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين على أن القرآن تكلم الله به على الحقيقة ، وأنه أنزله على محمد صلى الله عليه وسلم ، وأمره أن يتحدى به ، وأن يدعو الناس إليه ، وأنه القرآن على الحقيقة . متلو في المحاريب ، مكتوب في المصاحف ، محفوظ في صدور الرجال ، ليس بحكاية ولا عبارة عن قرآن ، وهو قرآن واحد غير مخلوق وغير مجعول ومربوب ، بل هو صفة من صفات ذاته ، لم يزل به متكلما ، ومن قال غير هذا فهو كافر ضال مضل مبتدع مخالف لمذاهب السنة والجماعة"، والقول بالحكاية أوا لعبارة هو قول الأشعرية والماتردية ، وهذا الكلام يدل على تكفير اللالكائي لهم.




وقال الهروي في ذم الكلام 1315 - ((ورأيت يحيى بن عمار ما لا أحصي من مرة على منبره يكفرهم ويلعنهم، ويشهد على أبي الحسن الأشعري بالزندقة، وكذلك رأيت عمر بن إبراهيم ومشائخنا))


فهذان شيخان من شيوخ الهروي على التكفير ، بل وكل شيوخه فيما يدعي


وقال يوسف ابن عبد الهادي المبرد في جمع الجيوش والدساكر 105 - وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَمْزَةَ، وَأَبَا عَلِيٍّ الْحَدَّادَ، يَقُولانِ: وَجَدْنَا أَبَا الْعَبَّاسِ النَّهَاوَنْدِي َّ عَلَى الإِنْكَارِ عَلَى أَهْلِ الْكَلامِ، وَتَكْفِيرِ الأَشْعَرِيَّةِ ، وَذَكَرَ أَعْظَمَ شَأْنِهِ فِي الإِنْكَارِ عَلَى أَبِي الْفَوَارِسِ الْقرماسينِيِّ، وَهِجْرَانِهِ إِيَّاهُ لِحَرْفٍ وَاحِدٍ.


106_ وَبِهِ إِلَى الأَنْصَارِيِّ، سَمِعْتُ أَحْمَدَ بْنَ حَمْزَةَ، يَقُولُ: لَمَّا اشْتَدَّ الْهِجْرَانُ بَيْنَ النَّهَاوَنْدِي ِّ وَأَبِي الْفَوَارِسِ، سَأَلُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الدِّينَوَرِيَّ ، فَقَالَ: لَقِيتُ أَلْفَ شَيْخٍ عَلَى مَا عَلَيْهِ النَّهَاوَنْدِي ُّ؛ فهذا النهاوندي ومعه ألف على التكفير.


وقال السجزي في الرد على من أنكر الحرف والصوت ص155 :" ومنكر القرآن العربي وأنه كلام الله كافر بإجماع الفقهاء ومثبت قرآن لا أوّل له ولا آخر كافر بإجماعهم"، وهذا هو قول الأشاعرة ( أعني الإنكار ) وهو قال هذا الكلام في معرض الرد عليهم.


وقال ابن رجب فب ذيل طبقات الحنابلة (1/303) :" عبد الساتر بن عبد الحميد بن محمد بن أبي بكر بن ماضي المقدسي الفقيه، تقي الدين، أبو محمد: سمع من موسى بن عبد القادر، وابن الزبيدي: والشيخ موفق الدين وغيرهم.
وتفقه علي التقي بن العز، ومهر في المذهب، وعني بالسنة. وجمع فيها. وناظر الخصوم وكفَّرَهم. وكان صاحب جرأة، وتحرق على الأشعرية، فرموه بالتجسيم".


وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية الخلاف في تكفيرهم فقال في تلبيس الجهمية (5/150) :وهو حال من أقر بعامة أسمائه وصفاته ، وإنما جحد منها شيئاً يسيراً كما يوجد في بعض الصفاتية كثيراً .


وهؤلاء يؤمنون ببعض أسماء الله عز وجل ويكفرون ببعض ، ويؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض لهذا تنازع الناس في إيمانهم وكفرهم".


وهذا النص ليس في الأشعرية فإن الأشعرية ينكرون عامة الصفات وليس بعض الصفات


وقال ابن القيم في مختصر الصواعق المرسلة (4/ 1382) وهو يتكلم عن الأشعرية : "فتأمل هذه الأخوة التي بين هؤلاء وبين المعتزلة الذين اتفق السلف على تكفيرهم ، وأنهم زادوا على المعتزلة في التعطيل".


وصرح بتكفيرهم ابن قدامة المقدسي حيث قال في المناظرة على القرآن ص50 :" وَهَذَا حَال هَؤُلَاءِ الْقَوْم لَا محَالة فهم زنادقة بِغَيْر شكّ فَإِنَّهُ لَا شكّ فِي أَنهم يظهرون تَعْظِيم الْمَصَاحِف إيهاما أَن فِيهَا الْقُرْآن ويعتقدون فِي الْبَاطِن أَنه لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْوَرق والمداد ويظهرون تَعْظِيم الْقُرْآن ويجتمعون لقرَاءَته فِي المحافل والأعرية ويعتقدون أَنه من تأليف جِبْرِيل وَعبارَته ويظهرون أَن مُوسَى سمع كَلَام الله من الله ثمَّ يَقُولُونَ لَيْسَ بِصَوْت".


وقال ابن الحنبلي في الرسالة الواضحة في الرد على الأشاعرة (2/451) : "فهؤلاء الأصناف كلها جهمية وهم كفار زنادقة"، وصرح شيخ الإسلام في درء التعارض أن منكري العلو واقعون في الكفر الأكبر فقال (7/27) :" وجواب هذا أن يقال القول بأن الله تعالى فوق العالم معلوم بالاضطرار من الكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة بعد تدبر ذلك كالعلم بالأكل والشرب في الجنة والعلم بإرسال الرسل وإنزال الكتب والعلم بأن الله بكل شيء عليم وعلى كل شيء قدير والعلم بأنه خلق السماوات والأرض وما بينهما بل نصوص العلو قد قيل إنها تبلغ مئين من المواضع.


والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين متواترة موافقة لذلك فلم يكن بنا حاجة إلى نفي ذلك من لفظ معين قد يقال إنه يحتمل التأويل ولهذا لم يكن بين الصحابة والتابعين نزاع في ذلك كما تنطق بذلك كتب الآثار المستفيضة المتواترة في ذلك وهذا يعلمه من له عناية بهذا الشأن أعظم مما يعلمون أحاديث الرجم والشفاعة.


والحوض والميزان وأعظم مما يعلمون النصوص الدالة على خبر الواحد والإجماع والقياس وأكثر مما يعلمون النصوص الدالة على الشفعة وسجود السهو ومنع نكاح المرأة على عمتها وخالتها ومنع ميراث القاتل ونحو ذلك مما تلقاه عامة الأمة بالقبول، ولهذا كان السلف مطبقين على تكفير من أنكر ذلك -يعني علو الله على خلقه- لأنه عندهم معلوم بالاضطرار من الدين والأمور المعلومة بالضرورة عند السلف والأئمة وعلماء الدين".


وكذلك نص على تكفيرهم الدشتي في إثبات الحد


وابن حزم على تجهمه اعتبر قول الأشعري في إعجاز القرآن مكفراً وكفر الباقلاني وابن فورك


وترك الأشعري للصلاة ثابت بسند صحيح لا داعي لإنكاره وهو صنيع جهم


وقال الهروي في ذم الكلام 1274 : سمعت يحيى بن عمار يقول: سمعت زاهر بن أحمد -وكان للمسلمين إماماً- يقول:
((نظرت في صير باب؛ فرأيت أبا الحسن الأشعري يبول في البالوعة، فدخلت عليه، فحانت الصلاة، فقام يصلي وما كان استنجى ولا تمسح ولا توضأ، فذكرت الوضوء؛ فقال: لست بمحدث)).


إسناده صحيح وقال الذهبي في السير معلقاً :" لعله نسي "


وإن كان الذهبي أمكنه الاعتذار لهذه فكيف يمكنه الاعتذار للرواية التالية


وقال الهروي في ذم الكلام 1275 : وسمعت منصور بن إسماعيل الفقيه يقول: سمعت زاهراً [يقول]:
((دورت في أخمص الأشعري بالنقش دائرةً وهو قائل؛ فرأيت السواد بعد ست لم يغسله)).


وهذا إسنادٌ صحيح وابن تيمية صنف التسعينية كلها للرد عليهم في بدعتهم ووصفهم بالكفار المبدلين في مقدمة التسعينية

وخلاصة الملاحظة على هذا الباحث وغيره هو الانتقاء من كلام ابن تيمية ما يناسب ما في نفسه فحسب وإظهار الهروي بصورة الشاذ المنفرد ويغلظون الكلام عليه أكثر من إغلاظهم في الأشعرية أنفسهم ونحن نراهم يعتبرون الخلاف فيما هو أقل من ذلك وابن تيمية نقل عن كثير من السلف ( وهو إجماع كما نقل حرب ) تكفير اللفظية والأشعرية قولهم أبلغ منه بكثير والواقع أن الهروي له موافق من كل المذاهب والاتجاهات حتى كلام القحطاني وهو مالكي في النونية ككلام الهروي تماماً

هذا وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه وسلم