تفسير الرازي – الجزء 10
وقال تعالى في آية أخرى : لا جناح عليكم أن
تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن [ الممتحنة : 10 ] وإنما سمي المهر أجرا لأنه بدل
المنافع ، وليس ببدل من الأعيان ، كما سمي بدل منافع الدار والدابة أجرا والله أعلم .
وأيضا
المسألة الثالثة : في هذه الآية قولان :
أحدهما : وهو قول أكثر علماء الأمة أن قوله : أن تبتغوا بأموالكم المراد منه
ابتغاء النساء بالأموال على طريق النكاح ، وقوله : فما استمتعتم به منهن فآتوهن
أجورهن فإن استمتع بالدخول بها آتاها المهر بالتمام ، وإن استمتع بعقد النكاح
آتاها نصف المهر .
والقول الثاني : أن المراد بهذه الآية حكم
المتعة ، وهي عبارة عن أن يستأجر الرجل المرأة بمال معلوم إلى أجل معين فيجامعها،
واتفقوا على أنها كانت مباحة في ابتداء الإسلام ،
روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم
مكة في عمرته تزين نساء مكة ، فشكا أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم طول العزوبة
فقال : استمتعوا من هذه النساء ، واختلفوا في أنها هل نسخت أم لا ؟ فذهب السواد
الأعظم من الأمة إلى أنها صارت منسوخة ، وقال السواد منهم : إنها بقيت مباحة كما
كانت وهذا القول مروي عن ابن عباس وعمران بن الحصين ، أما ابن عباس فعنه ثلاث
روايات :
إحداها : القول بالإباحة المطلقة ، قال
عمارة : سألت ابن عباس عن المتعة : أسفاح هي أم نكاح ؟ قال : لا سفاح ولا نكاح،
قلت : فما هي؟ قال: هي متعة كما قال تعالى ، قلت : هل لها عدة ؟ قال نعم عدتها
حيضة ، قلت : هل يتوارثان ؟ قال لا .
والرواية الثانية عنه: أن الناس لما ذكروا
الأشعار في فتيا ابن عباس في المتعة قال ابن عباس : قاتلهم الله إني ما أفتيت
بإباحتها على الإطلاق ، لكني قلت : إنها تحل للمضطر كما تحل الميتة والدم ولحم
الخنزير له .
والرواية الثالثة : أنه أقر بأنها صارت منسوخة . روى عطاء الخراساني عن ابن عباس في قوله: فما استمتعتم به منهن قال صارت هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن [ الطلاق: 1 ] وروي أيضا أنه قال عند موته : اللهم إني أتوب إليك من قولي في المتعة والصرف
وأما عمران بن الحصين فإنه قال : نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ولم ينزل
بعدها آية تنسخها/ وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمتعنا بها، ومات ولم
ينهنا عنه ، ثم قال رجل برأيه ما شاء .
وأما أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي
الله عنه ، فالشيعة يروون عنه إباحة المتعة ، وروى محمد بن جرير الطبري في تفسيره
عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : لولا أن عمر نهى الناس عن المتعة ما
زنى إلا شقي ،
وروى محمد بن على المشهور بمحمد بن الحنفية
أن عليا رضي الله عنه مر بابن عباس وهو يفتي بجواز المتعة، فقال أمير المؤمنين : إنه
صلى الله عليه وسلم نهى عنها وعن لحوم الحمر الأهلية ، فهذا ما يتعلق بالروايات .
واحتج الجمهور على حرمة المتعة بوجوه : الأول : أن الوطء لا يحل إلا في الزوجة أو المملوكة لقوله تعالى : والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم [ المعارج: 29، 30] ، وهذه المرأة لا شك أنها ليست مملوكة، وليست أيضا زوجة ، ويدل عليه وجوه : أحدها : لو كانت زوجة لحصل التوارث بينهما لقوله تعالى : ولكم نصف ما ترك أزواجكم [ النساء : 12] وبالاتفاق لا توارث بينهما ، وثانيها : ولثبت النسب ، لقوله عليه الصلاة والسلام : «الولد للفراش»
حاشية القونوي على تفسير الإمام البيضاوي وحاشية ابن التمجيد - ج7
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق